في مكان هادئ، مظلم أو بإضاءة خافتة، خالي من الناس أو مكتظ، بنشاطات مختلفة أو بسكون، أين تقودك قدماك للهروب من صخب نفسك؟ لكي تقف قليلاً وتتنفس وتتحس يدك، وجهك، وقلبك، لابد أن يكون ذلك الملاذ موجوداً، لا يشترط أن يكون بعيداً، قد يكون طريقاً بالسيارة لمكان قريب، اعتادت نفسك عليه من سنوات والكثير الكثير من أساليب الاختفاء الممكنة. قد تعتريك هذه الحالة لساعات، بل أحياناً لأيام، قد تصمت مدة طويلة بلا حرف، لأن الحروف أصابها الملل من التكرار.

أنت لا تهرب من شي، أنت تهرب من نفسك لكي تجدها، بشكلها الآخر، بالروح التي ألفتها وزاد الحنين لتفاصيلها، استمعتُ بالأمس لبودكاست “أبجورة” من إبداع لبنى الخميس حلقة (العودة)، شدني الحديث فيها عن أعظم خطة للعودة، لأن تعود لنفسك بعد أن تاهت من يديك. بلا أي وسائل حديثة، بلا كلام فوق الحاجة، بلا أساليب متعبة لعيش الحياة اليومية، بعيداً عن ضوضاء المدن، والضجيج، والرغبة في أن تكون متواجداً على مدار الساعة للرد على رسائل التطبيقات بحاجة وبلا حاجة. لقد خرجتُ من هذه الحلقة بعدة أشياء وهي أن الصمت ليس فقط سكوت، بل هو حاجة ضرورية وملحة، الصمت يعيد صياغة الأفكار ويرتب أهميتها، الصمت يعطي للحديث قيمة، الصمت يعطي مساحة واسعة لكي تستمع لنفسك، وسيلة بين يديك لتعيد الصفاء لروحك. يمتلك الإنسان اليوم المخارج العديدة ليجد نفسه، ويعيد تجديدها، وليس من الضروري أن تذهب لقرية نائية في اليابان حتى تمارس تجارب العزلة، يكفي أن تأخذ نصيبك من العزلة اللطيفة تعود بعدها أقوى وأنضج مما كان.