حتماً هناك شخص يطبع حديثه عنك بشكل مميز في ذاكرتك، ويمر بين الحين والآخر لتسترجعه. لقد كان شخصاً مميزاً يملك من الذكاء والخصال الحميدة الكثير، لا شك أن قدرهُ بالنسبة لك ليس بالشيء البسيط، هو لم يبذل أي مجهود سوى أنه كان لطيفاً واختار كلماته بعناية، لقد كان ذكياً جداً، واحتل مكانه في قلبك رغم العدد الكبير من الذين تعرفهم، كان هو بالتحديد يعرفك جيداً، التفتَ إليك وأخرج أفضل ما فيك على طاولة الحديث.
لعل أثر الكلمة أعمق من ذلك بكثير، وبالطبع هنالك حكمة عما تخلِّفه لقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) (سورة إبراهيم). اختلفت التفسيرات وقيل إنها: “الكلمة الطيبة”، إذاً فالكلمة أمرها عظيم وأثرها واضح قد يصل للسماء.
كلمة تصنع منك شخصاً خارقاً للعادة، وبأخرى تحبطك وتثنيك، وأخرى صغيرة تبعث شكوكاً لا نهائية تستثير أمعائك معها صدمةً وحزناً، والأجمل منهم جميعاً من أعطت قلبك جناحين شعرت بهما ورفرف عالياً بعد أن كان ينبض بهدوء كالجميع.
وعلى ذكر ذلك، كم أحزن على شخصٍ يدس السم في العسل يرمي بحديث بين المزاح مرات وبين الجد مرة، ولكنه أجبن من أن يواجه نفسه قبل كل شيء، وفي غالب الأمر هو يتحدث فيما لا يعنيه، وما يجهله. لقد كان مسكيناً جداً من كان همه أن يجرح الناس، وأشفِق على من في نفسه سوءاً جعله يترجمه في القول، أرجو ألا يهزمك ويبدد من طاقتك أرجو من كل قلبي أن يزيدك ذلك جمالاً ورفعة وأن تصبح في عين نفسك أرقى من كل حرف مسموم، لقد كنت صابراً جداً وهذا أمر عظيم، كم تملك من قوة وحلم، وعظيم الجزاء من ربٍ لا يغفل عن ظلم واضح، أو ضيق جاهدت نفسك على كتمانه، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (10) (الزمر).
إن الاهتمام في الآخرين والتروي قبل نطق الكلمات من الصفات المحمودة، ومما يبعث على الراحة عند الحديث معك، فأنت حكيم ولا تتححدث فيما لا يعنيك وما لا تعرف خفاياه، والأهم من ذلك لا يعطيك شعوراً بالندم يعكر صفوك إذا كنت ممن يخاف على مشاعر الآخرين ويهتم فهذا هو معنى أن تكون إنسان.